فصل: الباب الثالث من هذا الكتاب في مباحث الاسم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة الرابعة: نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة:

لقائل أن يقول: نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة كنسبة الدال إلى الطاء، وكنسبة السين إلى الصاد، فإن الدال تذكر بطرف اللسان والطاء تذكر بكل اللسان وكذلك السين تذكر بطرف اللسان والصاد تذكر بكل اللسان، فثبت أن نسبة اللام الرقيقة إلى اللام الغليظة كنسبة الدال إلى الطاء وكنسبة السين إلى الصاد، ثم إنا رأينا أن القوم قالوا الدال حرف والطاء حرف آخر، وكذلك السين حرف والصاد حرف آخر فكان الواجب أيضًا أن يقولوا: اللام الرقيقة حرف واللام الغليظة حرف آخر، وأنهم ما فعلوا ذلك ولابد من الفرق.

.المسألة الخامسة: حكم الإدغام:

تشديد اللام من قولك: {الله} للإدغام فإنه حصل هناك لامان الأولى: لام التعريف وهي ساكنة والثانية: لام الأصل وهي متحركة، وإذا التقى حرفان مثلان من الحروف كلها وكان أول الحرفين ساكنًا والثاني متحركًا أدغم الساكن في المتحرك ضرورة سواء كانا في كلمتين أو كلمة واحدة، أما في الكلمتين فكما في قوله: {فَمَا رَبِحَت تجارتهم} [البقرة: 16]: {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ} [النحل: 53]: {مَّا لَهُمْ مّنَ الله} [الرعد: 34] وأما في الكلمة الواحدة فكما في هذه الكلمة.
واعلم أن الألف واللام والواو والياء إن كانت ساكنة امتنع اجتماع مثلين، فامتنع الإدغام لهذا السبب، وإن كانت متحركة واجتمع فيها مثلان كان الإدغام جائزًا.

.المسألة السادسة: اجتماع لام التعريف ولام الأصل في لفظة الله:

لأَرباب الإشارات والمجاهدات هاهنا دقيقة، وهي أن لام التعريف ولام الأصل من لفظة {الله} اجتمعا فأدغم أحدهما في الثاني، فسقط لام المعرفة وبقي لام لفظة الله، وهذا كالتنبيه على أن المعرفة إذا حصلت إلى حضرة المعروفة سقطت المعرفة وفنيت وبطلت، وبقي المعروف الأزلي كما كان من غير زيادة ولا نقصان.

.المسألة السابعة: مد لام الجلالة:

لا يجوز حذف الألف من قولنا: الله في اللفظ، وجاز ذلك في ضرورة الشعر عند الوقف عليه، قال بعضهم:
أقبل سيل جاء من عند الله ** يجود جود الجنة المغله

انتهى، ويتفرع على هذا البحث مسائل في الشريعة: إحداها: أنه عند الحلف لو قال بله فهل ينعقد يمينه أم لا قال بعضهم: لا؛ لأن قوله بله اسم للرطوبة فلا ينعقد اليمين، وقال آخرون ينعقد اليمين به لأنه بحسب أصل اللغة جائز، وقد نوى به الحلف فوجب أن تنعقد وثانيها: لو ذكره على هذه الصفة عند الذبيحة هل يصح ذلك أم لا، وثالثها: لو ذكر قوله: الله في قوله: الله أكبر هل تنعقد الصلاة به أم لا؟

.المسألة الثامنة: قراءة الله بالإمالة:

لم يقرأ أحد الله بالإمالة إلا قتيبة في بعض الروايات انتهى.

.المسألة التاسعة: حكم لام أل:

تشديد الراء من قوله: {الرحمن الرحيم} لأجل إدغام لام التعريف في الراء، ولا خلاف بين القراء في لزوم إدغام لام التعريف في اللام، وفي ثلاثة عشر حرفًا سواه وهي: الصاد، والضاد، والسين، والشين، والدال، والذال، والراء، والزاي، والطاء، والظاء، والتاء، والثاء، والنون، انتهى.
كقوله تعالى: {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عَنِ المنكر}.
والعلة الموجبة لجواز هذا الإدغام قرب المخرج، فإن اللام وكل هذه الحروف المذكورة مخرجها من طرف اللسان وما يقرب منه، فحسن الإدغام، ولا خلاف بين القراء في امتناع إدغام لام التعريف فيما عدا هذه الثلاثة عشر كقوله: {العابدون الحامدون} {الآمرون بالمعروف} [التوبة: 112] كلها بالإظهار، وإنما لم يجز الإدغام فيها لبعد المخرج، فإنه إذا بعد مخرج الحرف الأول عن مخرج الحرف الثاني ثقل النطق بهما دفعة فوجب تمييز كل واحد منهما عن الآخر، بخلاف الحرفين اللذين يقرب مخرجاهما، لأن التمييز بينهما مشكل صعب.

.المسألة العاشرة: إمالة لفظ الرحمن:

أجمعوا على أنه لا يمال لفظ {الرحمن} وفي جواز إمالته قولان للنحويين: أحدهما: أنه يجوز، ولعله قول سيبويه، وعلة جوازه انكسار النون بعد الألف، والقول الثاني: وهو الأظهر عند النحويين، أنه لا يجوز.

.المسألة الحادية عشرة: إعراب الرحمن الرحيم:

أجمعوا على أن إعراب {الرحمن الرحيم} هو الجر لكونهما صفتين للمجرور الأول إلا أن الرفع والنصب جائزان فيهما بحسب النحو، أما الرفع فعلى تقدير بسم الله هو الرحمن الرحيم، وأما النصب فعلى تقدير بسم الله أعين الرحمن الرحيم.

.النوع الثاني من مباحث هذا الباب ما يتعلق بالخط:

وفيه مسائل:
ما يتعلق بالبسملة قراءة وكتابة:

.المسألة الأولى: تطويل الباء من بسم الله:

طولوا الباء من {بسم الله} وما طولوها في سائر المواضع، وذكروا في الفرق وجهين: الأول: أنه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طولوا هذه الباء ليدل طولها على الألف المحذوفة التي بعدها، ألا ترى أنهم لما كتبوا: {اقرأ باسم رَبّكَ} [العلق: 1] بالألف ردوا الباء إلى صفتها الأصلية، الثاني: قال القتيبي، إنما طولوا الباء لأنهم أرادوا أن لا يستفتحوا كتاب الله إلا بحرف معظم، وكان عمر بن عبد العزيز يقول لكتابه طولوا الباء، وأظهروا السين.
ودوروا الميم تعظيمًا لكتاب الله.

.المسألة الثانية: الباء حرف منخفض في الصورة:

قال أهل الإشارة والباء حرف منخفض في الصورة فلما اتصال بكتبة لفظ الله ارتفعت واستعلت، فنرجو أن القلب لما اتصل بخدمة الله عزّ وجلّ أن يرتفع حاله ويعلو شأنه.

.المسألة الثالثة: حذف ألف اسم من قوله: {بسم الله}:

حذفوا ألف اسم من قوله: {بسم الله} وأثبتوه في قوله: {اقرأ باسم ربك} والفرق من وجهين: الأول: أن كلمة {باسم الله} مذكورة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال، فلأجل التخفيف حذفوا الألف، بخلاف سائر المواضع فإن ذكرها قليل.
الثاني: قال الخليل: إنما حذفت الألف في قوله: {بسم الله} لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف فسقطت في الخط، وإنما لم تسقط في قوله: {اقرأ باسم رَبّكَ}.
لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في {بسم الله} لأنه يمكن حذف الباء من: {اقرأ باسم رَبّكَ} مع بقاء المعنى صحيحًا، فإنك لو قلت اقرأ اسم ربك صح المعنى، أما لو حذفت الباء من {بسم الله} لم يصح المعنى فظهر الفرق.

.المسألة الرابعة: كتابة لفظة الله بلامين:

كتبوا لفظة الله بلامين، وكتبوا لفظة الذي بلام واحدة، مع استوائهما في اللفظ وفي كثرة الدوران على الألسنة، وفي لزوم التعريف، والفرق من وجوه:
الأول: أن قولنا: {الله} اسم معرب متصرف تصرف الأسماء، فأبقوا كتابته على الأصل، أما قولنا الذي فهو مبني لأجل أنه ناقص؛ لأنه لا يفيد إلا مع صلته فهو كبعض الكلمة، ومعلوم أن بعض الكلمة يكون مبنيًا، فأدخلوا فيه النقصان لهذا السبب، ألا ترى أنهم كتبوا قولهم: اللذان بلامين، لأن التثنية أخرجته عن مشابهة الحروف، فإن الحرف لا يثنى.
الثاني: أن قولنا: الله لو كتب بلام واحدة لالتبس بقوله إله، وهذا الالتباس غير حاصل في قولنا الذي.
الثالث: أن تفخيم ذكر الله في اللفظ واجب، فكذا في الخط، والحذف ينافي التفخيم وأما قولنا: الذي فلا تفخيم له في المعنى فتركوا أيضًا تفخيمه في الخط.

.المسألة الخامسة: حذف الألف قبل الهاء من لفظ الجلالة:

إنما حذفوا الألف قبل الهاء من قولنا: الله في الخط لكراهتهم اجتماع الحروف المتشابهة بالصورة عند الكتابة، وهو مثل كراهتهم اجتماع الحروف المتماثلة في اللفظ عند القراءة.

.المسألة السادسة: الأصل في قولنا: الله الإله:

قالوا: الأصل في قولنا: الله الإله، وهي ستة حروف، فلما أبدلوه بقولهم: الله بقيت أربعة أحرف في الخط: همزة، ولامان، وهاء؛ فالهمزة من أقصى الحلق واللام من طرف اللسان، والهاء من أقصى الحلق، وهو إشارة إلى حالة عجيبة، فإن أقصى الحلق مبدأ التلفظ بالحروف، ثم لا يزال يترقى قليلًا قليلًا إلى أن يصل إلى طرف اللسان ثم يعود إلى الهاء الذي هو في داخل الحلق، ومحل الروح، فكذلك العبد يبتدئ من أول حالته التي هي حالة النكرة والجهالة، ويترقى قليلًا قليلًا في مقامات العبودية، حتى إذا وصل إلى آخر مراتب الوسع والطاقة ودخل في عالم المكاشفات والأنوار أخذ يرجع قليلًا قليلًا حتى ينتهي إلى الفناء في بحر التوحيد، فهو إشارة إلى ما قيل: النهاية رجوع إلى البداية.

.المسألة السابعة: حذف الألف قبل النون من الرحمن:

إنما جاز حذف الألف قبل النون من الرحمن في الخط على سبيل التخفيف، ولو كتب بالألف حسن، ولا يجوز حذف الياء من الرحيم، لأن حذف الألف من الرحمن لا يخل بالكلمة ولا يحصل فيها التباس، بخلاف حذف الياء من الرحيم.

.الباب الثالث من هذا الكتاب في مباحث الاسم:

وهي نوعان:
أحدهما: ما يتعلق من المباحث النقلية بالاسم.
والثاني: ما يتعلق من المباحث العقلية بالاسم.

.النوع الأول: ما يتعلق من المباحث النقلية بالاسم:

وفيه مسائل:

.المسألة الأولى: لغات الاسم:

في هذا اللفظ لغتان مشهورتان، تقول العرب: هذا اسمه وسمه، قال: باسم الذي في كل سورة سمه.
وقيل: فيه لغتان غيرهما سم وسم، قال الكسائي: إن العرب تقول تارة اسم بكسر الألف وأخرى بضمه، فإذا طرحوا الألف قال الذين لغتهم كسر الألف سم، وقال الذين لغتهم ضم الألف سم، وقال ثعلب: من جعل أصله من سما يسمى قال اسم وسم، ومن جعل أصله من سما يسمو قال اسم وسم، وقال المبرد: سمعت العرب تقول اسمه واسمه وسمه وسمه وسماه.

.المسألة الثانية:

أجمعوا على أن تصغير الاسم سمي وجمعه أسماء وأسامي.

.المسألة الثالثة: اشتقاق الاسم:

في اشتقاقه قولان: قال البصريون: هو مشتق من سما يسمو إذا علا وظهر، فاسم الشيء ما علاه حتى ظهر ذلك الشيء به، وأقول: اللفظ معرف للمعنى، ومعرف الشيء متقدم في المعلومية على المعرف، فلا جرم كان الاسم عاليًا على المعنى ومتقدمًا عليه، وقال الكوفيون: هو مشتق من وسم يسم سمة، والسمة العلامة، فالاسم كالعلامة المعرفة للمسمى، حجة البصريين لو كان اشتقاق الاسم من السمة لكان تصغيره وسيمًا وجمعه أوسامًا.

.المسألة الرابعة: اشتقاق الاسم من السمة:

الذين قالوا اشتقاقه من السمة قالوا أصله من وسم يسم، ثم حذف منه الواو، ثم زيد فيه ألف الوصل عوضًا عن المحذوف كالعدة والصفة والزنة، أصله الوعد والوصف والوزن، أسقط منها الواو، وزيد فيها الهاء، وأما الذين قالوا اشتقاقه من السمو وهو العلو، فلهم قولان: الأول: أن أصل الاسم من سما يسمو وسما يسمي، والأمر فيه اسم: كقولنا ادع من دعوت، أو اسم مثل ارم من رميت، ثم إنهم جعلوا هذه الصيغة اسمًا وأدخلوا عليها وجوه الإعراب، وأخرجوها عن حد الأفعال، قالوا: وهذا كما سموا البعير يعملا، وقال الأخفش: هذا مثل الآن فإن أصله آن يئين إذا حضر، ثم أدخلوا الألف واللام على الماضي من فعله، وتركوه مفتوحًا، والقول الثاني: أصله سمو مثل حمو، وإنما حذفت الواو من آخره استثقالًا لتعاقب الحركات عليها مع كثرة الدوران، وإنما أعربوا الميم لأنها صارت بسبب حذف الواو آخر الكلمة فنقل حركة الواو إليها، وإنما سكنوا السين لأنه لما حذفت الواو بقي حرفان أحدهما ساكن والآخر متحرك، فلما حرك الساكن وجب تسكين المتحرك ليحصل الاعتدال، وإنما أدخلت الهمزة في أوله لأن الابتداء بالساكن محال، فاحتاجوا إلى ذكر ما يبتدأ به، وإنما خصت الهمزة بذلك لأنها من حروف الزيادة.

.النوع الثاني: من مباحث هذه الباب، المسائل العقلية:

فنقول: أما حد الاسم وذكر أقسامه وأنواعه، فقد تقدم ذكره في أول هذا الكتاب وبقي هاهنا مسائل:

.المسألة الأولى: في الاسم والمسمى والتسمية:

قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير التسمية وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمى ونفس التسمية، والمختار عندنا أن الاسم غير المسمى وغير التسمية.
وقبل الخوض في ذكر الدلائل لابد من التنبيه على مقدمة؛ وهي أن قول القائل: الاسم هل هو نفس المسمى أم لا يجب أن يكون مسبوقًا ببيان أن الاسم ما هو، وأن المسمى ما هو، حتى ينظر بعد ذلك في أن الاسم هل هو نفس المسمى أم لا، فنقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات مقطعة وحروف مؤلفة، وبالمسمى تلك الذوات في أنفسها، وتلك الحقائق بأعيانها، فالعلم الضروري حاصل بأن الاسم غير المسمى، والخوض في هذه المسألة على هذا التقدير يكون عبثًا، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، وبالمسمى أيضًا تلك الذات كان قولنا الاسم هو المسمى معناه أن ذات الشيء عين الشيء، وهذا وإن كان حقًا إلا أنه من باب إيضاح الواضحات وهو عبث، فثبت أن الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.